ما حكم قول: الله هو الذي ينفخ الروح في الجنين؟

ما حكم قول: الله هو الذي ينفخ الروح في الجنين؟ وهل العبارة صحيحة؟ وهل النفخ صفة من صفاته تعالى؟ أم نقول: الله الذي جعل الروح في الجنين حيث بعث الملك لينفخ الروح في الجنين؟ وما معنى أن الملائكة لا يسبقون الله كلاما؟ وهل يمكن رؤية الملائكة بهيئتهم الحقيقية؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا حرج في استعمال أيا من العبارتين، فالنفخ يضاف إلى الله تعالى باعتبار أنه بأمره وإذنه، ويضاف أيضا إلى الملك المأمور باعتبار مباشرته للنفخ، وقد ورد في القرآن الكريم إضافة النفخ إلى الله تعالى، فقد قال تعالى في مريم: الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ {التحريم:12}

وقد أخبر في موضع آخر أنه أرسل إليها الملك فنفخ في فرجها وكان النفخ مضافا إلى الله أمرا وإذنا، وإلى الرسول مباشرة وقال تعالى في شأن آدم عليه السلام: ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ {السجدة:9}.

وهذا يحتمل أن يكون النفخ فعلا من الله تعالى، وأن يكون النفخ بواسطة الملك، كما حصل لمريم ـ عليها السلام ـ قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتابه الروح: فإن قيل فما تقولون في قوله تعالى: ونفخت فيه من روحي ـ فأضاف النفخ إلى نفسه، وهذا يقتضي المباشرة منه تعالى، كما في قوله: خلقت بيدي ـ ولهذا فرق بينهما في الذكر في الحديث الصحيح في قوله: فيأتون آدم فيقولون أنت آدم أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء، فذكروا لآدم أربع خصائص اختص بها عن غيره، ولو كانت الروح التي فيه إنما هي من نفخة الملك لم يكن له خصيصة بذلك وكان بمنزلة المسيح، بل وسائر أولاده، فإن الروح حصلت فيهم من نفخة الملك، وقد قال تعالى: فإذا سويته ونفخت فيه من روحي ـ فهو الذي سواه بيده وهو الذي نفخ فيه من روحه، قيل هذا الموضع الذي أوجب لهذه الطائفة أن قالت بقدم الروح وتوقف فيها آخرون ولم يفهموا مراد القرآن، فأما الروح المضافة إلى الرب: فهي روح مخلوقة أضافها إلى نفسه إضافة تخصيص وتشريف ـ كما بينا ـ وأما النفخ: فقد قال تعالى في مريم التي أحصنت فرجها: فنفخنا فيه من روحنا ـ وقد أخبر في موضع آخر أنه أرسل إليها الملك فنفخ في فرجها، وكان النفخ مضافا إلى الله أمرا وإذنا، وإلى الرسول مباشرة، يبقى ها هنا أمران: أحدهما: أن يقال: فإذا كان النفخ حصل في مريم من جهة الملك وهو الذي ينفخ الأرواح في سائر البشر فما وجه تسمية المسيح روح الله؟ وإذا كان سائر الناس تحدث أرواحهم من هذه الروح فما خاصية المسيح.

الثاني: أن يقال، فهل تعلق الروح بآدم كانت بواسطة نفخ هذا الروح هو الذي نفخها فيه ـ بإذن الله ـ كما نفخها في مريم أم الرب تعالى هو الذي نفخها بنفسه كما خلقه بيده؟ قيل لعمر الله إنهما سؤالان مهمان: فأما الأول: فالجواب عنه أن الروح الذي نفخ في مريم هو الروح المضاف إلى الله الذي اختصه لنفسه وأضافه إليه، وهو روح خاص من بين سائر الأرواح وليس بالملك الموكل بالنفخ في بطون الحوامل من المؤمنين والكفار، فإن الله سبحانه وكل بالرحم ملكا ينفخ الروح في الجنين فيكتب رزق المولود وأجله وعمله وشقاوته وسعادته، وأما هذا الروح المرسل إلى مريم: فهو روح الله الذي اصطفاه من الأرواح لنفسه فكان لمريم بمنزلة الأب لسائر النوع، فإن نفخته لما دخلت في فرجها كان ذلك بمنزلة لقاح الذكر للأنثى من غير أن يكون هناك وطء، وأما ما اختص به آدم: فإنه لم يخلق كخلقة المسيح من أم، ولا كخلقة سائر النوع من أب وأم، ولا كان الروح الذي نفخ الله فيه منه هو الملك الذي ينفخ الروح في سائر أولاده، ولو كان كذلك لم يكن لآدم به اختصاص، وإنما ذكر في الحديث ما اختص به على غيره وهو أربعة أشياء، خلق الله له بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجاد ملائكته له وتعليمه أسماء كل شيء، فنفخه فيه من روحه يستلزم نافخا ونفخا ومنفوخا منه، فالمنفوخ منه هو الروح المضافة إلى الله فمنها سرت النفخة في طينة آدم، والله تعالى هو الذي نفخ في طينته من تلك الروح، هذا هو الذي دل عليه النص، وأما كون النفخة بمباشرة منه سبحانه، كما خلقه بيده، أم أنها حصلت بأمره كما حصلت في مريم عليها السلام؟ فهذا يحتاج إلى دليل والفرق بين خلق الله له بيده ونفخه فيه من روحه أن اليد غير مخلوقة، والروح مخلوقة، والخلق فعل من أفعال الرب، وأما النفخ:فهل هو من أفعاله القائمة به، أو هو مفعول من مفعولاته القائمة بغيره المنفصلة عنه، وهذا مما لا يحتاج إلى دليل وهذا بخلاف النفخ في فرج مريم، فإنه مفعول من مفعولاته وأضافه إليه، لأنه بإذنه وأمره، فنفخه في آدم هل هو فعل له أو مفعول، وعلى كل تقدير، فالروح الذي نفخ منها في آدم روح مخلوقة غير قديمة. انتهى.

ليست هناك تعليقات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.